عن حزب الله والردع... ولبنان القوي!

عاجل

الفئة

shadow
 *تحت هذا العنوان كتب فراس زعيتر في جريدة الأخبار* 

*السبت ١٧ شباط ٢٠٢٤*

لم تصل الحرب على الجبهة الجنوبية اللبنانية حدودها القصوى أو حتى تقترب من هذا الحد. لم يظهر حزب الله كل ما لديه أو حتى بعض مما لديه من أوراق إستراتيجية. ربما هذا الأمر أو أكثر أصبح بديهياً وواضحاً طوال الشهور الماضية من جبهة الدعم التي فتحها الحزب للمقاومين في غزة، ولكن البديهية هذه تفرض علينا جميعاً استنتاجات لا بد من طرحها: حزب الله أصبح أثقل مما عهده الجميع. «مستضعف» التسعينيات أضحى جسماً بكتلة هائلة تقربه عبر السنوات للتحول إلى قوة «إستراتيجية» على مقياس شرقنا الأوسط.الذاكرة العربية في صراعنا مع الصهاينة لم تشهد قوة قادرة على التلويح بالقوة في وجه الكيان من دون دفع ثمن مباشر. والذاكرة ذاتها لم تشهد طرفاً قادراً على ضرب الإسرائيليين في مقتل تكتيكي أو إستراتيجي من دون التحول إلى مغامر غير عقلاني. حزب الله فعل ذلك وربما أكثر؛ فهو قادر اليوم على ضرب آلية للعدو كما حصل بداية حرب تموز عام 2006، من دون انفتاح الداخل على نموذج مشابه لتلك الحرب. الحدود والخطوط الحمر التي رسمها بالدم في إدارته ملف الصراع وملف البناء والتجهيز، جعلت منه «بعبع» الكيان الإسرائيلي الأول، لا في المكان فقط بل الأهم في الزمان، وهذا لم يحصل قبلاً.
الكيان الإسرائيلي قام على مبدأ القوة والتفوق والمبادرة والريادة العسكرية والتكنولوجية، الأمر الذي راكم مع سنوات النكسات، «إرادة» سياسية قوية لقادة العدو جعلت منهم أكثر إقداماً على مغامرات عسكرية في لبنان وفلسطين المحتلة ودول الطوق العربي عموماً. كما أصبحت هذه القوة منطلقاً للضرب من بعد في اغتيالات استهدفت المقاومين في كل قارات العالم. لكن هذه الوقائع بدأت بالتآكل عندما ضربت في مقتلها، ومقتل إسرائيل ألا تكون كياناً خارقاً، بل عدواً قوياً يواجه خصوماً أشداء يركبون الزمن في سباق بناء التفوق والقوّة.
«طول النفس» الذي ذكّرنا به أمين عام حزب الله السيد حسن نصرالله في خطاب يوم الجريح والأسير، ويضاف إليه ما يفعله الحزب ويؤسس لفعله، عاملان لفهم الواقع واستشراق بعض من المستقبل القريب. الكيان أصبح كـ«دب» محاصر في مدخل كهفه، والمطلوب أن يتوغل أكثر نحو الحائط، وهذا ما يريده الصياد أو الصيادون في هذه المناسبة. فالمقاومة أصبحت محوراً وخططاً وبلداناً وجيوشاً وشعوباً. الاحتلال يدرك هذا، لذا بات يسابق الوقت في مجازره في غزة لمحاولة تجزئة الجبهات وتفريغ قدرة المحور على الضرب من كامل نقاط التواجد، وغزة في المقدمة إنْ لم تكن رام الله وبعض أحياء القدس المحتلة في الغد القريب.
ما تقدّم يمثّل واقع اليوم وحقيقته الراسخة، لذا ترى معركة الكلمة والفكرة والشبكات العنكبوتية وكل ضروب غسل الأدمغة وتزييف الوقائع تعمل ليل نهار، لشراء الوقت لمعلّميها في لانغلي وتل أبيب. الأميركي وصنيعته الإقليمية، إسرائيل، وخلفهما «الناتو»، باتوا غير قادرين على استيعاب أن «الشرق الأوسط الجديد» أصبح قيد التنفيذ والتشطيب، ليس وفقاً لمخطّط هؤلاء، إنما اعتماداً على مهندسين محليين مقاومين من قلب مجتمعاتهم ولها. لا مندسّين تقلّبوا من جيب كوندوليزا رايس إلى مايك بومبيو وصولاً إلى أنتوني بلينكين.
قوة المقاومة، وقدرتها على الردع لم تعودا موضوع مناظرة تلفزيونية أو خطاباً لمشاكسة أحلام الناس وركوب أحلام هؤلاء. الردع هذا قائم ونراه ونعيشه في كل لحظة يرسم فيها حزب الله خطاً أحمر للكيان، أو شرطاً يحدده عبر وسيط، أو موقفاً ثابتاً يحدد بدايات الأزمات ونهاياتها. اليوم أصبح للبنان بفعل هذه القوة - لمن أراد أن يكون قوياً -، صوتاً مسموعاً وشروطاً واضحة وانخراطاً غير خجول في صناعة مستقبله ورسم حدوده الآمنة. كل هذا ولبنان (البلد أو المقاومة) الذي يحارب اليوم من أجل فلسطين، يطبق مع رفاقه في الإقليم كل آمال الأمة في أيامها الصعبة الماضية: ألا تكون فلسطين وحيدة أبداً.

الناشر

1bolbol 2bolbol
1bolbol 2bolbol

shadow

أخبار ذات صلة